بقلم / خالد الترامسي
أحسن حاجة إنك تنعزل عن الناس ، علي طول التحليل النفسي والسفسطة هتشتغل ، ويطلع لنا أساتذة في علم النفس ، وعلم الحنان ، والسهوكة ، والمليطة ، علي طول التفسير جاهز وموجود إنطوائي يحرض الناس علي الإنكماش وترويج سياسة العزلة ويدعو إلي الإنطوائية والتقوقع داخل الذات .
لا يا سيدي ويا سيدتي الموضوع مش كدة ، العزلة التي أقصدها ليست العزلة السلبية المرضية التي تخلق إنسان منعزل عن الأخرين منطوي علي نفسه غير مشارك ومتعاون مع الجماعة الإنسانية ، إنما هي العزلة الإيجابية التي تجعل الإنسان ينعزل عن الفتن والصراعات ، وينعزل عن كل ما يفسد حال العباد ، ينعزل عن جماعات السوء ، وعن الفحش من القول ، نعم هذا هو مضمون العزلة التي أقصدها ، وياليت المجتمع جميعه ينعزل عن تلك الشرور والمساوئ التي أضاعت علينا أوطاننا ، وجعلت الأمم تتكالب علينا ، جعلتنا نتناحر ونتقاتل وكأننا أعداء لأنفسنا ، وكأن بني الوطن الواحد صاروا ينقسمون إلي مسلمين ويهود ، وتلك هي بداية المشكلة ولبها الحقيقي ، التي جعلتنا لا نقف عند حدود أنفسنا وجعلتنا ننغمس في ضلالات جعلت كل منا يقف هذه المواقف وكأنها الشيئ الوحيد الأصدق .
نعم إننا بحاجة لوقفة مع النفس ، حسبة لله ، وحسبة للوطن ، إننا بحاجة إلي أن نتصافي ونتسامي أمام أنفسنا حتي يكتب الله لنا خروجا أمنا مطمئنا من تلك الحياة التي باتت تعج بالفتن ، صراعات في كل مكان من أرجاء عالمنا العربي ، ولا نلومن إلا أنفسنا وعجلتنا في المسارعة إلي التكالب علي حب الدنيا والإنهماك في ملاذاتها والناتج لا شيئ غير الفوضي والدمار .
فلتنظروا إلي أجدادنا وما تركوه لنا فعلي مدار أكثر من سبعة ألاف عام ، تركوا لنا من كافة ألوان الفنون المعمارية ما عجزت عنها التفسيرات وحتي وقتنا هذا ، كنا نتمني أن يكون هذا الجيل مشاركا في الإضافة إلي هذا الإرث الحضاري ولكننا نشاهده يخرب ويدمر ، إنظروا إلي حضارة بابل وأشور وماذا فعل بهما ، إنظروا إلي الحضارة الفينيقية وما حل بها من دمار ، بل قفوا أمام إعجاز مأرب وحضرموت وما شابها من عوار ، إننا نتناقض أمام أنفسنا حينما ندعي الوطنية ونأتي بأفعال أوردتنا المهالك ، وأظهرت مجتمعاتنا بمظاهر مشينة .
لذلك لا بد من وقفة مع النفس ، نستعيد فيها روح الماضي ، نتفهم الأمور بشكل متعمق ، بعيدا عن الهوس الذي جعلنا نري كل شيئ بنوع من الريبة ،جعلتنا بعيدين عن التمتع بنعمة الأمان ، فرأينا أوطاننا تعج بالمشاكل وإحترنا في كيفة الخروج منها فقد صعبنا علي أنفسنا كل شيئ وصار كل منا يعمل في جزر منعزلة حتي أصبح الوطن يئن منا.